لا شك أن كل إنسان يعيش حياته بأسلوبه الذي يراه، وبقناعاته التي انغرست فيه عبر مراحل عمره المختلفة، وبتوجهاته التي كان فيها لوالديه والبيئة المحيطة به أكبر الأثر ، غير أن القليل من استثمر حياته بشكل جيد واستفاد من عمره بكفاءة واستنفذ طاقته وجهده ليعيش العيشة الراضية الطيبة.
يقول صلى الله عليه وسلم:”نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ “
حديث شريف
و يقول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه : “إني لأكره أن أرى الرجل سبهللا ليس في عمل دنيا ولا عمل آخر” وهي دعوة من الفاروق رضي الله عنه إلى استثمار عقولنا الاستثمار الأمثل في ما يعود علينا بالنفع في الدنيا والآخرة.
النشاط الإيجابي أو السلبي يستهلك نفس القدر من الطاقة:
“إن الطاقة المبذولة في وضع خطوط عشوائية دون اكتراث تماثل تلك المستنفذة في رسم لوحة فنية رائعة ” هذا ما اكتشفه العالم جيفنز حينما سجل موجات المخ الكهربية لفنانين أثناء انهماكهم في رسم لوحات ذات محتوى جاد وكذلك لأشخاص وهم يرسمون أشكالا عشوائية دون قصد، أي أن القوة العقلية المستخدمة لدى كل من الفريقين واحدة.
وفي هذا تأكيد على أننا مهما كان ما نفعله تافها وغير إيجابي فإن الجهد العقلي الذي نبذله في هذا العمل التافه والغير نافع هو نفسه الذي نبذله في عمل إبداعي مثمر، أي أنه وحتى يعود علينا كل ما نفعله ونقوم به بالنفع والفائدة لابد أن نركز الجهد والوقت في أهداف مرسومة ذات قيمة وأثر ، لا أن نبدد وقتنا وجهدنا على أنشطة وأعمال لا فائدة منها ولا مردود.
دراسة جديرة بالتأمل:
وهذا ما أكده العالم النفسي الدكتور إريك كلينجر عندما أجرى مسحا تبين منه: أننا نركز على ما نفعله في حوالي ثلث وقتنا فقط. وتسيطر علاقاتنا ومشاكلنا الشخصية والأشخاص الذين أثاروا غضبنا على معظم اهتماماتنا.
حيث أشار إلى أننا نستنفذ وقتنا طوال يومنا عادة على النحو التالي::
33% على التركيز في الأنشطة الراهنة
25% في التفكير في الآخرين وعلاقتنا الشخصية بهم
6% في التفكير النشط وحل المشكلات
3% في مدح الذات أو نقد الذات
3% في القلق بشأن الأشياء التي تثير إزعاجنا
2% لتوجيه الذات
1% في التفكير في التصرف بعنف
27% تتوزع على دائرة واسعة من الموضوعات المتنوعة
المجموع 100%، ولكم أن تلاحظوا كيف أن 25% نصرفها في التفكير في الآخرين وما يقولونه عنا وهي من أكثر المشتتات حينما نبالغ في البحث عن استحسان الآخرين وكسب رضاهم.
ضريبة التشتت وعدم التركيز:
أي أن في حالة القضاء على التشتت في التفكير، والتركيز على الأنشطة والفعاليات الراهنة التي تصب في تحقيق أهدافنا بإمكاننا تحقيق الاستفادة المثلى من عقولنا.
وهذا ما تؤكده الدراسة التي تشير إلى أننا نستخدم فقط من 1-5% من قدراتنا العقلية التي وهبها الله لنا و 95% معطلة تنتظر من يستثمرها لصالحه.
وهذه الأبحاث التي ذكرت آنفا تتطابق تماما مع قانون باريتو 80/20 والذي يشير من خلاله إلى أننا نستطيع تحقيق 80% من أهدافنا في 20% من الوقت المتاح لهذه الأهداف إذا اخترنا الوقت المناسب وابتعدنا عن المشتتات المختلفة.
كيف نستخدم عقولنا:
علينا أن نعيد النظر في استخدامنا لعقولنا ، ففي الوقت الذي نوظف قدراتنا العقلية في تحقيق أهدافنا وفي دعم الآخرين ومساندتهم بعيدا عن المشتتات، سنجني –بإذن الله – خيرا وفيرا وسعادةً ورخاءً وفوزاً ونجاحاً، وفي الوقت الذي نستسلم فيه لتوافه الأمور ونتطلع إلى مدح الآخرين لنا وثناؤهم علينا والتحدث السلبي عن الآخرين ماذا قالوا وماذا فعلوا بحيث يشكل ذلك جل اهتمامنا، ونقلق بشأن أشياء تافهة ليست من صميم أهدافنا، فإننا نشتت قوانا ونضعف قدراتنا ويكون العائد سلبيا مدمرا لحياتنا وحياة الآخرين.