مقدمة:
تعرف العالم على (العصف الذهني) في عام 1953عندما ألّف (أليكس أوبسرن) كتابه الذي اسماه (التخيل التطبيقي) وانتشرت الطريقة فيما بعد في كل أرجاء العالم، وقد اعتمدت فكرة العصف الذهني على أنه إذا ما سمح للذهن بأن يطلق العنان في حل مشكلة ما، فإن الأفكار تتدفق دونما كابح بغض النظر عن مدى تحققها، أي طبقا للمبدأ: فكر الآن ثم قيم وتحقق فيما بعد.
في هذا المقال سنتعرف على أسرار استراتيجية العصف الذهني والذي يعد من أنجح الطرق على الإطلاق في تحفيز العقل وإنتاج الأفكار ولذلك فإن كبريات الشركات في أنحاء العالم تنتهجه كاستراتيجية لتطوير منتجاتها أو ابتكار مشاريع جديدة.
يقول المفكر العالمي الشهير براين تريسي عن تقنية العصف الذهني:
“وهي على درجة من القوة بحيث ما إن تشرع باستخدامها حتى تشعر بدفعة إلى الأمام كما لو أنك قد خطوت نحو درج كهربائي يتقدم بك في حياتك”.
مفهوم العصف الذهني:
العصف الذهني قدرة عقلية ومهارات فكرية لتوليد عدد من الأفكار الإبداعية لابتكار حلول معينة أو تحقيق أهداف محددة.
ويعرف بأنه أسلوب تعليمي وتدريبي يستخدم من أجل توليد أكبر كم من الأفكار لمعالجة موضوع أو حل مشكلة أو تحقيق هدف.
مبادئ العصف الذهني:
ويعتمد نجاح جلسة العصف الذهني على تطبيق أربعة مبادئ أساسية هي:
أولا/ إرجاء التقييم: لا يجوز – بأي حال – تقييم أي من الأفكار المطروحة.
ثانياً / إطلاق حرية التفكير: أي التحرر مما قد يعيق التفكير الإبداعي.
ثالثاً / الكم قبل الكيف: أي التركيز في جلسة العصف الذهني على توليد أكبر قدر من الأفكار مهما كانت جودتها ضعيفة.
رابعاً/ البناء على أفكار الآخرين: أي من الممكن تطوير أفكار الآخرين والبناء عليها للخروج بأفكار جديدة.
أي أنه طريقة عملية لجلب عدة حلول لمشكلة معينة، بحيث يقوم الشخص أو مجموعة من الأشخاص بالجلوس وتحديد المشكلة ثم التفكير بحلول لهذه المشكلة بحيث يتم كتابة جميع الأفكار التي تتعلق بالمشكلة – دونما تقييم – في ورقة ثم محاولة اختيار المناسب منها لحل المشكلة.
ينقسم العصف الذهني في ممارسته إلى نوعين:
النوع الأول: العصف الذهني الفردي:
ويمارسه الشخص بمفرده ويمكن إجراءه على النحو التالي:
- اجلس في مكان هادئ وأمسك قلماً وأكتب في أعلى الورقة المشكلة التي تبحث لها عن حل سواء ً على هيئة سؤال أو عبارة جذابة.
- ابدأ في سرد الأفكار بدون تحفظ أكتب كل ما يرد في ذهنك.
- استرسل في كتابة الأفكار إلى أن تصل إلى عشرين فكرة لحد أدنى.
- عد إلى ما كتبته من أفكار ستجد في الغالب آخر خمس أفكار هي الأكثر فعالية، اختر منها الأنسب واشرع في تنفيذه.
هذه الطريقة فعالة وتؤدي إلى نتائج جيدة وأجمل ما فيها أنك تستطيع تطبيقها لوحدك وفي أي زمن تريد، فقط في هذه الطريقة لا تقيم أي فكرة فقط اكتب أفكارك أول ما ترد إليك.
النوع الثاني: العصف الذهني الجماعي:
ويمارس مع مجموعة من الأفراد ويمكن تطبيقه على النحو التالي:
- اختر مكاناً مناسباً بحيث يجلس المشاركون على شكل حرف (U).
- استعن بسبورة ورقية ووسائل كرتونية وأقلام متنوعة.
- حدد قائد المجموعة والمقرر الذي سيرصد الأفكار ويكتبها على السبورة.
- ابدأ بكتابة المشكلة أو المشروع على هيئة سؤال في أعلى السبورة.
- قم بتحفيز المشاركين وأعلن لهم عدم قبول أي اعتراض على أي فكرة ترد.
- أكد على أن المشارك يمكن أن يبني على فكرة زميله ليأتي بفكرة جديدة.
- دع المشاركون يسترسلون في التفكير والخيال ويبتكرون أفكار لحل المشكلة والمقرر يكتب كل فكرة ترد إليه.
- شجع المشاركين لعصف أذهانهم لابتكار أفضل الأفكار دون قيود إدارية أو نفسية.
- ركز على الأفكار الأكثر غرابة والخرافية لتحويلها إلى أفكار واقعية بناءة.
- حينما تلاحظ صعوبة تسجيل أفكار جديدة يمكن انتهاء جلسة العصف الذهني.
- ابدأ في تقييم الأفكار بأخذ أصوات المشاركون على جودة الأفكار بحيث ترتب الأفكار من الأهم إلى المهم.
- يتم تنفيذ الفكرة الأفضل.
طرق تدوين الأفكار أثناء العصف الذهني:
الطريقة الأولى/ يتم تدوين الأفكار بالطريقة العادية بحيث ينطق المشارك فكرته ويدونها المقرر أو رئيس الجلسة على السبورة بالطريقة الخطية حتى تكتمل جميع الأفكار على السبورة.
الطريقة الثانية/ ويطلق عليها طريقة ميتابلان حيث توفر للمشاركين بطاقات ورقية صغير بحيث يكتب صاحب الفكرة فكرته على البطاقة ويثبتها على اللوحة أو السبورة بحث لكل بطاقة فكرة واحدة فقط.
الطريقة الثالثة/ وهي طريقة الخارطة الذهنية بحيث يكتب السؤال المطلوب العصف الذهني له في وسط الخارطة والفروع تكتب عليها الأفكار التي تستقى من المشاركين.
الطريقة الرابعة/ يتم العصف الذهني من خلال القصة المصورة بحيث تدون الأفكار على رسمة تمثل قصة مصورة للمشروع الذي يراد تدوين الأفكار له كما في الشكل أدناه.
ويمكن دمج طريقتين مع بعض مثل طريقة الميتابلان مع الخارطة الذهنية بحيث تسجل الأفكار في ستيكرات ثم يتم لصقها على فروع الخارطة الذهنية وهذا مما يساعد في توليد المزيد من الأفكار
قواعد عامة في العصف الذهني:
هناك بعض القواعد العامة في العصف الذهني يجب الانتباه لها جيدا:
* تكوين مجموعة من الخبراء في المشكلة المطروحة أو ممن لديهم معرفة بالمشروع أو المشكلة أهم شيء أن يكونوا من المهتمين بحل المشكلة.
* توضيح المشكلة موضع البحث.
* والتأكد من أن جميع أفراد المجموعة قد استوعبوها جيدا.
* توضيح قواعد العصف الذهني جيدا.
* تدوين جميع الأفكار.
* مدة العصف الذهني تختلف تبعا للمشكلة.
* البدء بتحسين الأفكار و استخلاص المفيد منها.
* ربط الأفكار ببعضها في شكل جدول على سبيل المثال و أخذ التصويت عليها و محاولة خلق جملة أو مجموعة جمل تعبر عن كل مجموعة أفكار مرتبطة ببعض.
* محاولة ربط الأفكار الناتجة من الخطوة السابقة في فقرة أشمل لتحتوي على كل الأفكار المطروحة.
ويستخدم العصف الذهني في كثير من المجالات التي تتطلب التفكير والإبداع في القيام بمشروع أو العمل على حل مشكلة، ولكن جرت العادة على استخدامه في الحالات التالية:
حل المشكلات وبناء فرق العمل والإعلانات التجارية والتخطيط العملي وإدارة المشاريع سواءً الشخصي أو المؤسسي.
العصف الذهني وإبداع الصغار:
عقول الصغار من أكثر العقول إبداعا وذكاءً حيث تشير الدراسات أن أكثر مرحلة يتألق عقل الطفل ويكون في كامل استعداده العقلي والإبداعي في السادسة من عمره وكثيرا ما نهمل الطفل في هذه السن ولا نعتني به وبالتالي تمر هذه المرحلة دون استثمار، وقد قالوا في المثل “التعليم في الصغر كالنقش على الحجر”، ومما يميز الطفل في هذه المرحلة خياله الواسع وعدم وجود القيود الفكرية التي تكبل عقل الطفل وتقيده وبالتالي تجد عقله في هذا السن خصب بالأفكار الإبداعية وهو ما يمكن تنميته عن طريق استراتيجية العصف الذهني.
العصف الذهني من الاستراتيجيات المرنة التي يمكن تطبيقها على كثير من مجالات الحياة سواءً المهني، أو الشخصي، أو التربوي التعليمي ،أو الاجتماعي أو الترفيهي أو غيرها من المجالات، وهذه واحدة من نقاط القوة لدى هذه الاستراتيجية الإبداعية بالإضافة إلى بساطة تطبيقها.
التطبيقات التربوية للعصف الذهني:
ويمكن تطبيق العصف الذهني في الأنشطة التربوية والتعليمية بشقيها؛ النشاط الصفي والنشاط اللاصفي، ونعني بالنشاط الصفي وهي الأنشطة المرافقة للمادة الدراسية، والنشاط اللاصفي وهو الذي يمارس داخل المدرسة أو خارجها بعيدا عن المنهج الدراسي، دعوني أضرب لكم مثلا لدرس في مادة العلوم في المرحلة الابتدائية وليكن درس عن التلوث (نشاط صفي) يمكن أن يعد المعلم جلسة عصف ذهني عن: كيف نقلل من التلوث البيئي؟ أو كيف نحسن من بيئتنا؟ وغير ذلك من الموضوعات وينطبق ذلك على المرحلة المتوسطة والثانوية أيضا.
أما النشاط اللاصفي فعلى سبيل المثال: كيف أجعل مدرستي نظيفة؟ وأطلق العنان لعقول الطلاب لتوليد الأفكار، طبعا مع تطبيق مبادئ العصف الذهني بالطريقة الجماعية التي تحدثنا عنها سابقا.
وليس تطبيق العصف الذهني على الجانب التربوي حكرا على المعلم، بل يستطيع مدير المدرسة أن يطبق جلسة العصف الذهني مع المعلمين مثلا حول أفضل الممارسات التدريسية المشجعة لزيادة مشاركة الطلاب أثناء أن الحصة. وقد يستخدمه المرشد الطلابي مع المعلمين حول أفضل الممارسات الإرشادية التي يمكن أن يقوم بهل المعلم مع طلابه.
النبي محمد صلى الله عليه وسلم يحفز صحابته على التفكير:
مما يجدر ذكره هنا أن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم كان يتحين صحابته ببعض الأسئلة ثم يعطيهم الفرصة ليفكروا ويذكر كل واحد إجابة معينة، ففي إحدى المرات سأل الرسول صلى الله عليه وسلم صحابته عن شجرة تشبه المؤمن كما في حديث ابن عمر رضي الله عنهما: عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ” إن من الشجر شجرة، لا يسقط ورقها، وإنها مثل المسلم.. حدثوني ما هي؟ “. قال: فوقع الناس في شجر البوادي. قال عبد الله: فوقع في نفسي أنها النخلة، ثم قالوا: حدثنا ما هي يا رسول الله؟ قال: ” هي النخلة “. رواه البخاري في صحيحه كتاب العلم باب طرح الإمام المسألة على أصحابه ليختبر ما عندهم من العلم.
وفي حادثة تحزب القبائل ضد رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام واجتماعهم على حربهم والهجوم عليهم في عقر دارهم (المدينة المنورة) فاستشار النبي الصحابة في وضع حلول (عصف ذهني) فذكرت حلول كثيرة كان أبرزها ما ذكره سلمان الفارسي رضي الله عنه وهو حفر خندق حول المدينة من الجهة الخالية من الجبال.
وهكذا نجده صلى الله عليه وسلم يطبق هذه الطريقة في كثير من الأحوال إما ليجد حلاً لمشكلة أو ليختبر صلى الله عليه وسلم معلومات أصحابه.
يعد العصف الذهني من أنجح الطرق على الإطلاق في تحفيز العقل وإنتاج الأفكار التي هي أساس المعرفة والتطور وأجزم أن هناك فرص لتطبيقه في حياتنا الخاصة أو في الحياة العملية سواء التعليمية أو غير التعليمية والتجربة خير برهان.
وهكذا نجد أن قوة العصف الذهني وفعاليته تكمن في سهولة تطبيقه وبالتالي سهولة توليد الأفكار خاصة إذا تبع ذلك تطبيق فوري لتلك الأفكار أو لأفضلها.