أتذكر حينما كنت أدرس في المرحلة الثانوية وتحديدا في الصف الثالث الثانوي قبل عشرات السنين كان يدرسنا مادة الرياضيات معلم يبذل جهودا مضنية في تدريسنا حول المعادلات الرياضية وإجراء مسائل التفاضل والتكامل على صعوبة هذه الموضوعات..
بالرغم من أن ذلك المعلم كانت أغلب أوقاته يشرح ويكتب على السبورة ويحل المسائل.
إلا أن النتيجة كانت ضعيفة جدا.. إذ أن استيعاب الطلاب للدرس لا يكاد يذكر.
ولكن لماذا لم نستوعب الدروس بشكل جيد؟
هل تدرون أين المشكلة؟
المشكلة أن هذا المعلم لم يتعرف على هرم الخبرة، فقد كان يخاطبنا عن طريق الرموز اللفظية سواء بسماع الألفاظ أو برؤيتها على السبورة أي عن طريق المحاضرة (الشرح والكتابة على السبورة)
أعتقد – وربما تتفق معي- أن هذا المعلم تنقصه معرفة هرم الخبرة لإدجارديل.. وكيفية استخدامه.
ما هو هرم الخبرة؟
هرم الخبرة هو عبارة عن هرم أو مخروط تم ترتيب الوسائل والأنشطة التعليمية وتصنيفها إلى عشرة مستويات تبدأ من قمة الهرم حيث الرموز اللفظية (من خلال القراءة والسماع) وتنتهي في القاعدة حيث الخبرة المباشرة والممارسة العملية للمعرفة (من خلال إشراك معظم الحواس الخمس).
فالطالب يتعامل مع الرموز اللفظية من خلال حاسة السمع فقط بينما في حالة الخبرات الحسية المباشرة فإن الطالب يتعامل مع حواسه جميعا وبينهما تتدرج بقية الأنشطة.. وهنا يكمن السر.

يتضمن هرم الخبرة ثلاثة أنماط رئيسية للتعلم:
الأول/ ويتضمن التجربة المباشرة كالتدرب على عمل الأشياء مثل: أن يقوم الطالب بممارسة العمل بنفسه بإشراف المعلم، حيث يتضمن هذا النوع عملا من واقع الحياة يتم من خلاله استخدام الحواس الخمس ويتضمن هذا النمط أربعة أنواع من الأنشطة:
- القيام بالعمل في الواقع
- محاكاة تجربة واقعية
- المشاركة في العروض التقديمية
- المشاركة في رش العمل
ويتراوح مقدار الاحتفاظ بالمعلومات في ذهن المتعلم ما بين 70-90%
– الثاني/ ويضمن التجربة المرئية (الأيقونية) كتفسير الصور والرسومات والفيديوهات من خلال الأفلام مثل: استخدام الصور والأفلام في الشرح، حيث يقتصر العمل هنا على حاستين أو ثلاث فقط ويتكون هذا النمط من أربعة أنواع من الأنشطة:
- مشاهدة التجارب العلمية
- رحلات وزيارات
- مشاهدة فيديو
- عرض صور
ويكون معدل الاحتفاظ بالمعلومة بين 30-50%.
الثالث/ ويتضمن التجربة الرمزية قراءة أو سماع مثل: استخدام المحاضرة في شرح الدرس ويتكون من:
- سماع
- قراءة
وفي هذه الحالة يكون معدل الاحتفاظ بالمعلومة ضئيل جد إذ يتراوح بين 10-20% ويكون التعلم ضعيفا.
الصورة التالية توضح مقدار الاحتفاظ بالمعلومات لكل نوع من الاستراتيجيات:

أين تكمن أهمية هرم الخبرة؟
تكمن أهمية هرم الخبرة في أنه يساعدنا كمعلمين ومعلمات على اختيار الوسائل والأنشطة والاستراتيجيات التدريسية الأكثر كفاءة وفاعلية لتعلم الطلاب والتي تبقي المعلومات في أذهان الطلاب أطول فترة ممكنة وبالتالي تفعيل مهارات التفكير العليا لدى الطلاب من خلال الممارسة العملية.
ففي حالة المعلم الذي كان يدرسنا الرياضيات كان يقتصر في تدريسه على الرموز اللفظية من خلال الشرح والتي لا يكاد الدماغ يلتقط منها شيئا خاصة في مادة مثل الرياضيات بالرغم من الجهد الشاق الذي كان يبذله المعلم.
إذن ما الذي كان على المعلم فعله ليضمن استيعابنا للدرس بشكل أفضل؟
بمعنى آخر كيف نستفيد من هرم الخبرة
كيف نستفيد من هرم الخبرة في اختيار الوسائل والاستراتيجيات التعليمية؟
من نموذج هرم الخبرة هذا نكتشف أن استراتيجيات التدريس الأقل فعالية تقبع في أعلى الهرم بينما الاستراتيجيات الأقوى فعالية تكون في قاعدة الهرم.
إليك ما على المعلم القيام به للاستفادة من هرم الخبرة…
على المعلم أن يختار الاستراتيجيات التدريسية من قاعدة الهرم حيث الخبرات الحسية المباشرة والتي يمارسها الطالب بنفسه ويبقى التعلم عالقا في الذهن أطول فترة ممكنة..
وعلى ذلك فإنه على المعلم التركيز على الأنشطة والاستراتيجيات التي يمارس من خلالها الطالب التعلم بنفسه ما أمكنه.
مقطع فيديو يتحدث عن نفس موضوع المقال بشكل موسع يمكنك مشاهدته هنا:
ابق معي لنوضح الأمر أكثر…
لنفترض أنك معلم وتريد أن تشرح درس حول الزهرة..
ما الاستراتيجية التي سوف تستخدمها؟
يمكن أن تتحدث عن الزهرة الحصة بكاملها، لن يستوعب الطلاب منك إلا أقل القليل بينما لو أحضرت معك مجموعة من الأزهار وجعلت كل طالب أو طالبين في واحدة ثم شرحت الدرس من خلال هذه الأزهار الموجودة بين أيدي الطلاب فلن ينسى طلابك هذا الدرس بكل تفاصيله لأنهم مارسوا النشاط بأيديهم..
إذا لم يتوفر ذلك فبالإمكان مثلا مشاهدة فيلم عن الزهرة أو إحضار نموذج لزهرة حقيقية يشرح المعلم من خلالها إذا لم تستطع إحضار زهرة لكل طالب أو طالبين وسيكون التعلم جيدا..
ولكن هل يعني ذلك عدم استخدام الرموز اللفظية (المحاضرة مثلا) في التعلم؟
طبعا ليس الأمر كذلك ففي حال الزهرة لا نستطيع توضيح مفهوم الزهرة بدون المحاضرة (الرموز اللفظية) – طبعا مع الصورة أو الفيديو الذي يتحدث عن الزهرة.
لكن بشرط ألا تطغى المحاضرة على وقت الحصة وعلى الممارسات العملية للطلاب أنفسهم.
نعود إلى معلم الرياضيات الذي كان يدرسنا ما الذي كان يتوجب عليه بدلا من الشرح المجرد والكتابة على السبورة؟
- كان عليه أن يركز على ممارسة الطلاب أنفسهم من خلال حل المعادلات البسيطة ثم الانتقال رويدا رويدا للمعلومات المعقدة.
- وكان عليه أيضا أن يربط الدروس بواقع الطلاب وكيف يمكن أن يستفيد الطلاب من هذه الدروس في واقع حياتهم.
ولكن لماذا لا يقوم المعلمون بتفعيل الاستراتيجيات التدريسية من قاعد الهرم التي من خلالها يمارس الطلاب التعلم بأنفسهم؟
هناك سببان رئيسيان:
- صعوبة توفير استراتيجيات من نوع الخبرات الحسية المباشرة التي يستخدم من خلالها الطالب كافة الحواس لديه، بالإضافة إلى تكلفتها الباهظة أحيانا (هذا إذا لم تكن المواد اللازمة للممارسة العملية موفرة من المدرسة).
- سهولة استخدام المحاضرة وقلة تكلفتها (مع العلم أن المحاضرة لا يمكن الاستغناء عنها في عملية التعلم، ولكن المشكلة حينما تكون الحصة كلها محاضرة)
خلاصة القول في طريقة استخدام هرم الخبرة بفاعلية ما يلي:
إعداد خليط من هرم الخبرة يتكون من مستويات الهرم المختلفة سواء الرموز اللفظية أو الصور والفيديوهات أو الممارسة العملية على أن يتناسب هذا الخليط مع نوعية المعرفة المراد تعلمها ومع الإمكانيات المتوفرة.
علاقة هرم الخبرة بتصنيف للأهداف التعليمية:
ربما يتساءل البعض.. ما علاقة هرم الخبرة بتصنيف بلوم للأهداف التعليمية؟
اعتقد أن بعض من قرأوا مقالي حول تصنيف بلوم للأهداف التعليمية أو شاهدوا الفيديو الخاص بنفس الموضوع على قناتي على اليوتيوب اكتشفوا العلاقة بين هرم الخبرة وتصنيف بلوم ولعل الصورة أدناه توضح هذه العلاقة:

باختصار شديد قمة هرم الخبرة المتمثلة في القراءة والسماع تقابل قاعدة هرم تصنيف بلوم المتمثلة في مستوى التذكر والفهم.
بمعنى آخر كلما استخدمنا الوسائل والاستراتيجيات التدريسية التي يمارس من خلالها الطلاب التعلم بأنفسهم (من قاعدة هرم الخبرة)، كلما كان التدريس نشطا وكلما فعلنا مهارات التفكير العليا لدى الطلاب وبالتالي كان تحصيلهم الدراسي مرتفعا ونتائجهم في الاختبارات الدولية والقدرات مرتفعة أيضا.
هناك حكمة ترددت على مسامعنا كثيرا في البرامج التدريبية التي حضرناها منذ عشرات السنين تقول:
أسمع فأنسى وأرى فأتذكر وأمارس فأفهم
وكما تلاحظون فإنها تتطابق تقريبا مع ما يشير إليه هرم الخبرة
باختصار شديد قمة هرم الخبرة المتمثلة في القراءة والسماع تقابل قاعدة هرم تصنيف بلوم المتمثلة في مستوى التذكر والفهم.
بمعنى آخر كلما استخدمنا الوسائل والاستراتيجيات التدريسية التي يمارس من خلالها الطلاب التعلم بأنفسهم (من قاعدة هرم الخبرة)، كلما كان التدريس نشطا وكلما فعلنا مهارات التفكير العليا لدى الطلاب وبالتالي كان تحصيلهم الدراسي مرتفعا ونتائجهم في الاختبارات الدولية والقدرات مرتفعة أيضا.